تنعى جمعية الصعيد ببالغ الحزن والأسى انتقال الفرير (جي مويزي) والذي أنتقل عن عالمنا منذ أيام، والفرير جي هو فرنسي الأصل، يتبع رهبانية فرير دي لاسال، وهو من وضع اللبنة الأولى للمدرسة الموازية ليس في جمعية الصعيد فحسب، بل هو صاحب النموذج الذي فتح الأفاق لهذه الطريقة من التعليم في مصر ثم تطورت النماذج فيما بعد.
جاء الفرير (أوجين) وهو فرير من أصل تشيكي، إلى قرية البياضية في المنيا، أواخر الثمانينيات، ولاحظ أن رعاة الغنم بقرية البياضية يجلسون ينتظرون أغنامهم وهي ترعى ساعات طويلة في الظل، في مكان يسمى الوابور، وهو مبنى مهدوم لوابور مياه قديم، وذلك ليتجنبوا قيظ النهار أثناء الرعي، فأقترح عليهم الفرير أوجين استثمار وقت فراغهم ليعلمهم أشياء مفيدة عن الأغنام، فوافقوا.
وبدأ يجمعهم وقت الظهيرة، بجوار أغنامهم، داخل الوابور المهدوم ويعلمهم، أنطلق في البداية بالكتابة بالحجر على حائط من حوائط الوابور، ليعلمهم كيف يكتبون كلمات مثل "غنم" و "غذاء"...، وكيف يقومون بعمليات الحساب البسيطة لحصر الأغنام كي لا تضيع منهم، ثم توسعت الدروس تَدريجِيًّا لتشمل معلومات أكثر فأكثر.
وتحمست جمعية الصعيد لمدرسة الوابور، التي أسسها الفرير أوجين، وأمدته الجمعية بسبورة وبعض الحصير، ومن هنا نشأت مدرسة الوابور، أو مدارس (الوابورات) كما كان يطلق عليها في قرية البياضية حينها، والتي تعد أول مدرسة موازية في مصر.
وفي تلك الأثناء لاحظت جمعية الصعيد، التي كانت تعمل في مجال التعليم النظامي بالقرية عبر مدرستها هناك، ظاهرة التسرب من التعليم التي كانت منتشرة في القرية بسبب ارتباط الأطفال بأعمال الزراعة مع ذويهم، فطلبت الجمعية مساعدة جماعة الفرير بالبياضية، نسبة إلى تجربتهم المبتكرة والمتفردة والناجحة في مدرسة الوابور، وخبرتهم في التعليم بطريقة مرنة وتناسب ذلك المجتمع الريفي القائم على عمل الأسرة معًا كبار وأطفال، ليقوم الفرير (جي) باستكمال المهمة، وبتعليم المتسربين من التعليم بعد الظهيرة فور انتهائهم من العمل في أعمال الفلاحة مع والديهم، وهو ما كان يعيقهم عن الالتزام بالمواعيد الرسمية للمدرسة، وخاصة الفتيات اللائي كان ذويهم لا يهتمون كثيرًا بتعليمهن، وبدأ الفرير جي مع الزملاء في جمعية الصعيد بقياس الاحتياجات التعليمية للقرية وتأسيس مدرسة أخرى تتوازى في عملها التعليمي مع المدرسة الرسمية في القرية، أي توفير تعليم مواز للتعليم الرسمي يناسب ظروف أطفال القرية العاملين في الزراعة والرعي.
ومن هنا بدأت أول تجارب التعليم المجتمعي في مصر، الذي يرجع الفضل فيها إلى الفرير أوجين، ومن بعده الفرير جي مويزي، ثم نفذت جمعية الصعيد بعد ذلك، مع هيئات أخرى، عدة تجارب منها مدارس الفصل الواحد والتعليم المجتمعي وغيرها لتعليم الأطفال المتسربين.
فرير جي مويزي نودعك معلمًا ملهمًا ورائدًا تَنْمَوِيًّا، ونعزي أنفسنا ونعزي رهبانية الدي لاسال، التي تربطنا بها رؤية ورسالة هامتين وطويلتين في تنمية الصعيد، كما نعزي آلاف الطلاب الذين، لولاك، ما كانوا تلقوا تعليمًا في حياتهم.